السؤال:
أحب كثيرا أن أدعو إلى الله -تعالى- وأن أخدم دينه ولكني قليل الخبرة وقليل الصاحب المعين للأسف وأمر آخر أن عملي يأخذ كثيرا من وقتي فلا يبقى في يومي وقت كثير فلا أعلم كيف أنظم وقتي بين عملي وبيتي ودعوتي؟ وما السبيل للدعوة للبسطاء أمثالي الذي لايتوفر لهم الكثير من الوقت والمال؟
الجواب:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد ,,
لقد سرني كثيرا حرصك وحماسك ورغبتك في الدعوة إلى الله ,, وأسأل الله أن يوفقك ويعظم لك الأجر والمثوبة , ويحقق لك ماترجوه وتتمناه ,, ويعطيك الأجر على هذه النية الصادقة والعظيمة وأبشرك بهذه البشارة :- ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (إنما الدنيا لأربعة نفر: فرجل آتاه الله علماً ومالاً، فهو يتقي الله فيه، يصل به رحمه، ويعرف لله فيه حقه؛ فهذا بأفضل المنازل . ورجل آتاه الله علماً ولم يؤته مالاً، فهو يقول: لو أن لي كفلان لعملت بعمله، فهو ونيته؛ فهما في الأجر سواء. ورجل آتاه الله مالاً ولم يؤته علماً، فهو يخبط في ماله، لا يرعى لله فيه حقه، ولا يصل به رحمه؛ فهذا بأخبث المنازل. ورجل لم يؤته الله مالاً ولا علماً، فهو يقول: لو أن لي كفلان لعملت بعمله، فهو ونيته؛ فهما في الوزر سواء).
اعلم أخي الحبيب أن أمر الدعوة إلى الله وخدمة الدين متفاوتة من شخص لآخر حسب قدرته ووقته وعلمه ومايحسن , وكذلك حسب همته وحماسه وبذله , ومن عظم هذا الدين تنوع وسائل الخير وطلب الأجر وتفاوت الأجور المترتبة عليها , فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (تبسمك في وجه أخيك صدقة) ولاأظن بأن أحداً لايستطيع هذا العمل الجليل إلا من حرمه الله عز وجل .
المقصود أن طرق البذل للدين والدعوة ليس بالضرورة أن تكون بالتفرغ التام وبذل الكثير من الأوقات , وإنما قد تكون ببذل يسير مع صدق نية فيتقبلها الله عزوجل وينميها فتكون لصاحبها خيراً وبركة ً وسبباً في زيادة الحسنات ودخول الجنة .
أخي الحبيب ذكرت في سؤالك عدة معوقات تعيقك عن الدعوة وخدمة الدين وهي قلة الخبرة , عدم وجود صحبة , ضيق الوقت , قلة المال . وسأبسط لك في هذه المعوقات وطرق علاجها :-
أولاً :- قلة الخبرة علاجها يسير ولكن يحتاج منك إلى فهم قدراتك ورغباتك أولا ثم إلى عزيمة واجتهاد . لأنك إذا اجتهدت فيما لاتحسنه وترغبه فقد تحصد نتائج سلبية , فتعرف على قدراتك أولاً عن طريق التأمل والتفكير أو استشارة من هو قريب لك ويعرفك وتثق في نصيحته , فعلى سبيل المثال قد تكون قدراتك وظروفك تتناسب مع دعوة غير المسلمين أو مع الدعوة عن طريق الانترنت أو عن طريق الانساني والسعي على الفقراء وهكذا , فإذا حددت الجانب الذي تشعر بأنك تحبه وتستطيعه فلابد أن تجتهد في تعلم مهارات هذا الجانب عن طريق الكتب أو الإطلاع في الإنترنت أو عن طريق الميدان والإحتكاك بمن هم في الميدان , وأذكر على سبيل المثال أن أحد الإخوة كان يعمل في شركة عملاقة وكبيرة وفيها عدد كبير جداً من العمال غير المسلمين بجنسيات مختلفة , وهو لايجيد لغاتهم حتى يدعوهم إلى الله فكان يحصر أسمائهم وفق الجنسيات ثم يدعوهم لمكاتب دعوة غير المسلمين , فحصل أن أسلم كثير منهم بسبب جهوده التي كانت وفق قدراته وامكاناته .
ثانياً :- الصحبة أمرها عظيم , فقد أوصى الله نبيه فقال ( وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا )
ولايخلو الزمان مهما فسد من صاحب صالح , وليس بالضرورة أن يكون الصاحب ملازماً وقريباً , فقد تصاحب إمام المسجد مثلاً وتستشيره فيما يواجهك وتستفيد من خبرته , وقد تصاحب أشرطة وكتب العلماء , وقد تصاحب أهل الخير والدعوة عن طريق الإنترنت , المقصد بأن سبل ايجاد الصحبة الصالحة كثيرة , فلابد أن تبذل جهدك في ذلك وسيعينك الله .
ثالثاً :- أما بالنسبة لضيق الوقت , فاستعن بالله أولاً ثم بالتنظيم والترتيب , ولاتجهد نفسك أكثر من طاقتها , وبإمكانك أن تفرغ جزءاً من اجازتك الأسبوعية لأعمال الخير , كما أن أعمال الخير بعضها يسير جداً ولايستهلك وقتاً كثيراً , ولابد أن أثير انتباهك إلى أن الدعوة إلى الله هي نفس يتنفسه الإنسان في كل ثانية من حياته , فتربية أبنائك من أعظم أمور الدعوة والإحسان لزوجتك من أعظم أمور الخير والدعوة , وبرك لوالديك وصلة رحمك , بل إن أدائك لعملك بأمانة وتميز من أعظم القرب , ونصحك لزملائك في العمل ومعاملتهم بأخلاق حسنة من أعظم القرب إلى الله . وبإمكانك الاستفادة من مجالات الدعوة إلى الله في التقنية الحديثة والتدرب عليها . ففيها مجال خصب جداً وقد يناسب ظروفك وقدراتك .
رابعاً :- أما بالنسبة للمال , فلايكلف الله نفساً إلا وسعها ,
ورد في الحديثِ الصحيح أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ [سَبقَ دِرهَمٌ مائةَ ألفِ دِرهَم]، قيلَ وكيفَ ذلكَ يا رسولَ اللهِ؟ فقال [رَجلٌ لهُ دِرهمَانِ] أي لا يملِكُ غَيرَهُما [فتَصدّقَ بأَحدِهمَا ورَجُلٌ تَصدَّقَ بمائةِ أَلفٍ مِن عُرضِ مَالِهِ] رواه النسائي . فابذل ماتستطيع , وأجرك بإذن الله على قدر نيتك , وابحث عن الأعمال التي لاتكلفك فوق طاقتك مالياً , وقد تكون ساعياً للخير عن طريق زملائك وأقاربك , فتحثهم على البذل من أموالهم في وجوه الخير وتسهل لهم ذلك وتشجعهم عليه , فينالك من الأجر كمثل أجورهم . فعن أبي هريرة- رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" من دعا إلى هُدى كان لهُ من الأجر مثل أجوز من تبعهُ لا ينقصُ ذلك من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعهُ لا ينقصُ ذلك من آثامهم شيئاً" .
وفضل الله واسع وهو أكرم الأكرمين سبحانه وتعالى .
وفقك الله لكل خير وحقق أمانيك وبارك فيك .